إلى كل مسلم غيور انفطر قلبه حزنًا، وبكت عينه كمدًا، لما عايش وسمع ما حل بإخوانه من المسلمين، الآمنين في سربهم، المرابطين على أرضهم، إلى من أرق مضجعه أنات الثكالى، وبكاء الأطفال، وآهات الشيوخ والعجائز، في غزة وغيرها من بقاع الأرض، وقبل كل ذلك وبعده جراح أمته، فنبض قلبه بحب هذا الدين، وهو يعلم من نفسه صدق انتمائه لدينه وحبه له، وحرقته لما حل بإخوانه، وسخطه على أعداء الله.
فهم والعزم منه تفجر يريد أن يصنع شيئًا لأمته، لنصرة دينه وإخوته، فإليه جاء هذا الكتاب والذي هو بعنوان (جيل النصر المنشود) للدكتور (يوسف القرضاوي)، يرسم له الطريق، ويخط له النهج، ويوظف حماسته، ويحاكيه صفات جيل النصر والعزة، التي ما لبث الصحابة يتشبثون بها إلا وتحولوا في فترة قليلة وجيزة من رعاة للإبل والغنم لقادة وسادة للدول والأمم.
وقد جاء الكتاب في عناصر عدة استوعبت تلك الصفات التي تبحث الأمة الآن عن من يمتثلها؛ لترفرف رايتها من جديد من المحيط إلى الخليج، فجاءت العناصر كالآتي:
روح أمتنا الإسلام
إن للأمة روحًا تحيا بها، كما أن للإنسان روح، فإذا فقدتها أصبحت كجثة بلا حياة، وهناك من يريد لأمتنا أن تعيش بغير روح، وقد تسأل ما روح أمتنا؟ ومن يريد لها أن تحيا بلا روح؟
والجواب أن روح أمتنا هو الإسلام، هو الذي أحياها بالأمس من موات، وجمعها من شتات، وهداها من ضلالة، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، وأما الذين يريدونها أن تعيش بغير روح فهم أعداؤها الحاقدون، والخائفون منها والطامعون فيها.
بعض مشكلاتنا الكبرى
وفي هذا العنصر تحدث الشيخ عن أهم المشكلات التي تواجهها الأمة، وأشار إلى أن مشكلة المشكلات: أن أجهزة الأمة مخدرة ذاهلة عن نفسها، غافلة عن حقيقة رسالتها، وهي مبرر وجودها وبقائها، فضلًا عن المشكلات الأخرى التي تعانيها أمتنا من الفجوة التي نحسها ونشعرها بين المسلمين بعضهم البعض، وبين الشعوب وحكَّامهم، وكذلك تلك الفجوة بين النخبة التي غزى أكثرها الاستعمار الثقافي وبين الجماهير التي تحمل في جملتها تفكيرًا دينيًا.
قوانين النصر
وهنا أوضح الدكتور القرضاوي أن النصر لا يأتي عفوًا، ولا ينزل اعتباطًا، فالنصر له قوانين وسنن سجلها الله تعالى في كتابه الكريم، ليعرفها عباده المؤمنين ويتعاملوا معها ببصيرة، وهي قوانين ثلاثة:
· أن النصر من عند الله تعالى.
· أن الله لا ينصر إلا من نصره.
· أن النصر ـ كما لا يكون إلا للمؤمنين ـ فإنه لا يكون إلا بالمؤمنين.
حاجة الإيمان إلى رعاية وحضانة
فإن النصر إن كان لا يكون إلا بالمؤمنين، ولا يكون كذلك إلا للمؤمنين، فإن هؤلاء المؤمنين لا يهبطون من السماء، ولكنهم ينبتون من الأرض، وهو نبات يحتاج إلى زرَّاع صابرين صادقين يتعهدونه في مراحل نمائه بالسقي والتسميد ومقاومة الآفات؛ حتى يستوي على سوقه ويؤتي أكله بإذن ربه.
أكبر هم المصلحين الإسلاميين
ولهذا كان أكبر هم المصلحين الإسلاميين الواعين أن ينشأ في الأمة جيل مسلم مؤمن جديد يستحق أن يسمى (جيل النصر) هو أول ما تحتاج إليه أمتنا.
إنه جيل يعود بالإسلام إلى ينابيعه الصافيه، يفهمه فهمًا صحيحًا متكاملًا، إنه الإسلام الأول الذي نزل به القرآن العظيم، ودعا إليه الرسول الكريم.
إنه إسلام الحق والقوة، إسلام العلم والعمل، إسلام الجهاد والاجتهاد، إسلام الشمول والتوازن، إنه الإسلام الذي يجعل حياة الفرد كلها لله، فلا ازدواج ولا صراع، فقد اتحدت غاياته، وتحددت وجهته، واتضح طريقه، كما قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
جيل من المسلمين والمسلمات
وهنا أشار الدكتور القرضاوي إلى دور المرأة في نصر الأمة، فالنساء شقائق الرجال والمرأة قد كان لها كبير دور على مر تاريخ الإسلام في نصرته ورفع رايته، فلا عجب أن يكون لها اليوم ـ كما كان لها بالأمس ـ دور في دعوة الإسلام، ومكان في حركة التجديد.
سمات هذا الجيل في القرآن والسنة
إن هذا الجيل الذي تنشده الأمه أصحابه لا تخفى سماتهم وأوصافهم على من قرأ القرآن الكريم أو درس السنة النبوية، فمواضع القرآن التي تحكي صفاتهم كثير عددها كقول الله جل في علاه في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ} [المائدة: 54].
جيل يؤمن بالواقعية والعلمية
وهنا أتت صفة مهمة لهذا الجيل الرائد، إنه جيل يتجاوز العشوائية، ولا ينسى وهو يتطلع إلى السماء أنه واقف على الأرض، فلا يجري وراء خيال كاذب، أو حلم فارغ، أو أماني موهومة؛ فيسبح في غير ماء، أو يطير بغير جناح.
إنه جيل واقعي لا يسبح في البر، ولا يحرث في البحر، ولا يبذر في الصخر، ولا ينسج خيوطًا من الخيال، ولا ييأس من روح الله، ولا يقنط من رحمة الله.
إنه جيل يؤمن بالعلم، ويحترم العقل، ويدين للبرهان، ويرفض الخرافات، ولا يتبع الظن وما تهوى الأنفس، تعلم من القرآن أن التفكير فريضة، وأن التأمل عبادة، وأن طلب العلم جهاد، وأن الجمود على الرأي من أجل قدمه جهل وضلال.
جيل عمل وبناء جماعي
وهنا تأتي صفة خطيرة أخرى، إنه جيل لا يقف عند التغني بأمجاد الماضي، ولا عند النواح على مآسي الحاضر، ولا عند التمني لانتصارات المستقبل، إنما يؤمنون أن النجاح الحقيقي بالعطاء لا بالمفاخرة، وبالإنتاج لا بالثرثرة، وأن الانتصار على مآسي اليوم، وتحقيق آمال الغد، إنما يتحقق بالجد لا بالهزل، وبالبناء لا بالهدم، فذاك فكرهم.
جيل ربانية وإخلاص
وكذلك هم جيل من (الربانيين) الذين يعيشون في الدنيا بقلوب أهل الآخرة، ويعيشون فوق الأرض وقلوبهم تهفو إلى عرش الله، حيث السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
جيل نسبه الإسلام
ولعل أبرز سماتهم، أنه من سأل عن جنسيتهم أو نسبهم أو هويتهم فهم مسلمون، لا بالاسم واللقب ولا بحكم الوراثة أو البيئة، وإنما بالدراسة والبرهان، فهم يؤمنون بالإسلام عن بينة، ويرفضون الجاهلية عن دراية، ويدعون إلى الله على بصيرة، لا يبتغون غير الإسلام دينًا، ولا غير شريعته منهاجًا.
جيل دعوة وجهاد
هم كذلك كما كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، إنهم من نورهم يقتبسون، وعلى هداهم يسيرون، جاهدوا في ذات الله أنفسهم، كما جاهدوا عدو الله وعدوهم.
غرباء .. ولكن يعايشون الناس
حقًا إنهم غرباء، فهم بهذا الاتجاه المتميز، وبهذا الجهاد المتواصل، عاشوا غرباء، وإن كانوا في أوطانهم، وبين أهليهم وأقربائهم، وهذه الغربة لا تجعلهم ينظرون إلى أنفسهم يائسين، أو يفرون إلى صوامع العزلة والتعبد الفردي، كما فعل الرهبان في النصرانية، والحنفاء في الجاهلية، فرهبانيتهم هي الجهاد، وحنيفيتهم هي الدعوة إلى ملة إبراهيم.
جيل قوة وعزة
فهم ـ مع غربتهم في قومهم وعصرهم ـ أقوياء أعزاء لم يوحشهم قلة السالكين، ولم يوهنهم كثرة الهالكين، في أنوفهم شمم، وفي قلوبهم إباء، وفي نفوسهم ترفع واعتداد.
جيل توازن واعتدال
أما هذا الجيل الفذ ـ مع صلابته وقوته وغيرته وجهاده ـ متوازن معتدل على صراط مستقيم، لا يميلون إلى اليمين، ولا ينحرفون إلى الشمال، لا يغرقون في الماديات، ولا يغرقون في الروحانيات.
أوابون توابون
وهم بعد كل ما ذكرنا من صفات (أوَّابون توَّابون)، إنهم يحذرون على أنفسهم من معصية الله، أكثر مما يحذرون من أعداء الله وأعدائهم، فهم يسألون الله دائمًا أن يكفيهم بحلاله عن حرامه، وبطاعته عن معصيته، وهم يخافون من معاصي القلوب أكثر مما يخافون من معاصي الجوارج، إذ أنهم يعلمون أن معاصي القلوب أشد خطرًا وأفتك أثرًا.
ذلكم هو الجيل المنشود
ذلك هو الجيل الذي ننشده، وتنشده معنا الأمة كلها من جاكرتا إلى رباط الفتح، وهو الذي نسعى جاهدين لتكوينه، ونذيب حبَّات قلوبنا من أجله.
وهو كذلك الذي تعمل القوى العالمية المعادية للإسلام على إجهاضه قبل أن يولد، وعلى وأده بعد أن يوجد، من خلال إغراقه في الشهوات والشبهات.
إن هذا الجيل وتكوينه يجب أن يكون الشغل الشاغل للحركات الإسلامية المعاصرة، كما يجب على الدعاة والمربين والمفكرين والفقهاء أن يتعاونوا على حسن إعداده وتربيته تربية كاملة شاملة، روحيًا وجسميًا وعقليًا وأخلاقيًا واجتماعيًا.
إن هذا الجيل هو جيل النصر الذي تُحرر على يديه فلسطين وأفغانستان والعراق، وكل أرض دنسها أعداء الله، هو الجيل الذي ترفع به راية الله في أرض الله، ويسود به دين الخالق دنيا الخلق، وتشرق به أنوار السماء على ظلمات الأرض।
.لدكتوريوسف القرضاوي مع تصرفات بسيطة
No comments:
Post a Comment